الفنان الفلسطيني طاهر نجيب من مواليد مدينة أم الفحم سنة 1948، واحد من القلة العرب الذين تمكنوا من الوصول إلى العالمية، والمشاركة باسم فلسطين في مهرجان “أفينيون” المسرحي بفرنسا لهذا العام بعرضه “رُكب”، بالإضافة إلى عمله على عدد من المسرحيات الفلسطينية والعربية تمثيلا وإخراجا، كان لـ”العرب” اللندنية اللقاء التالي مع الممثل طاهر نجيب في حديث عن المسرح والتمثيل وطقوس الاحتجاج.
الاحتجاجات في المنطقة العربية والطقوس التي تشبه الكرنفال في الشوارع العربية أعادت إحياء أصوات وأساليب كانت مهمشة في الحركة المسرحية، ففعل الاحتجاج-الأداء في الشوارع يفرض قواعد جديدة على آلية العمل المسرحي في المنطقة.
ويرى نجيب أن الطقوس التي تتكون وتظهر في العالم العربي المحتج على أنظمته هي تجريبية، مقارنة بأساليب الاحتجاج التقليدية للتظاهر، وإن دل هذا إنما يدل على حجم الأزمة التي نعيشها والتي تفرض علينا ابتكار أشكال جديدة للرفض، وذلك بإبداع نصوص جديدة للتظاهر وأشكال جديدة للتعبير عنها.
ويضيف: «إن أفضل مثال على ذلك هي الاحتجاجات في سوريا التي تبنت شعار: “يا الله ما إلنا غيرك يا الله”. وكأن السوريين عرفوا أنهم سوف يذبحون ويشردون، ولذا توجهوا منذ البداية إلى الله الذي ليس لهم غيره، ومن بعد ذلك تبنوا الكفاح المسلح ضد من سيبيدهم، ولكنهم يحاولون ويحاولون مع العلم أنه ليس لهم غير الله، هذه مأساة من الطراز المؤلم، من الطراز الإغريقي».
قوى الهامش والحركات الفنية والثقافية المبعدة وجدت لنفسها متنفسا في حركات الاحتجاج التي شهدتها المنطقة، ويرى نجيب أنها ستجد متنفسا لها بإيجاد المتنفس العام للمجتمع.
وتحرير هذا الهامش يكون بتحرير المجتمع من القيود التي يفرضها الطاغية على شعبه، ويعقب: «لا بدّ لي أن أشير أنه ليس بوسع أيّ كان أن يبيد فكرة. هنالك المسارح المتحررة في العالم التي أصبحت مملة لمشاهديها، بمجرد أنها تملك الإمكانية لطرح أيّ موضوع كان وبأي شكل ترتئيه، أنا شخصيا لا أرتاد هذه المسارح لأنها أصبحت مملة».
يسترسل شارحا: «بينما المسارح التي تخضع شعوبها للدكتاتورية هي المسارح ذات الحظ الأكبر لتبني التجريب المسرحي، لكي تكون قادرة على طرح ما تريد، ولكن بشكل لا يؤدي إلى السجن، أو المضايقة أو ما إلى ذلك. المسارح التي تعيش الأماكن الأكثر دكتاتورية هي المسارح ذات الاحتمال الأكبر لتصبح تجريبية، إبداعية وخلاقة والمسرح الفلسطيني هو الدليل القاطع».
طاهر نجيب يرى أن الحفاظ على الأصوات الهامشية في ظل الحصار هو أساس استمرار الربيع العربي
أدّى طاهر نجيب دور “الأسير” في مسرحية “مستوطنة العقاب” عن رواية لـفرانز كافكا وإخراج نزار الزعبي، ويصف تجربته مع الشخصية على عدة مستويات، فالأسير لم يمتلك أيّة كلمة في النص ليقولها.
يقول نجيب عن ذلك: «تعلمت ككاتب مسرحي أن أزن الكلمة ألف مرة قبل كتابتها، لأن الفعل المسرحي قد يكون كافيا، ولا يجب أن نحمل من النص إلاّ ما هو ضروري وإلزامي لدعم الفعل المسرحي».
يتجاوز الإعلام الواقع وحتى المسرح في قدرته على التأثير، وهناك الكثير من الصعوبات التي يواجهها المسرح الآن للحفاظ على وجوده وقدرته على التأثير ويرى نجيب، أن المسرح لا يجب أن يقاوم التسونامي الإعلامي لكل حدث، ولكن يجب أن يتعلم كيف يراقصه ويعيش معه جنبا إلى جنب.
ويعلق: «لا فن في الدنيا أو “ميديا” باستطاعته أن يلغي أبا الفنون، ولكن على “أبي الفنون” أن يجتهد دائما لإثبات وجوده، وأن يخلق المشهد من جديد بأساليب حديثة وغير مجربة».
شارك طاهر نجيب في مهرجان أفينيون المسرحي بعرضه “رُكب”، كيف يصف هذه التجربة؟، وهل يرى أنه الآن يحمل مسؤولية أمام الجمهور في العروض التي يقدّمها والتي سيقدّمها لاحقا يجيب: «كان لي كل الفخر والاعتزاز بتمثيل فلسطين في مهرجان أفينيون عام 2014، وهي مسؤولية كبرى، والضغط الذي كنت فيه ولَد حسب رأيي أفضل خمسة عروض للمسرحية منذ إنتاجها. سيبقى بذاكرتي إلى الأبد أنه فور وصولي لمهرجان أفينيون بدأ العدوان على غزة، وفرض ذلك أبعادا ومعاني أخرى على المسرحية، ووجدت أن عليّ أن أحكي قصة العدوان وأمررها من خلال مسرحية رُكب، ووجدتني أؤدي المسرحية بشكل مختلف عمّا كانت عليه قبل العدوان».
حاضر نجيب عن الكتابة في زمن الأزمات، هل يرى أن المبدع-الكاتب قادر على استيعاب هول الصدمة التي تشكلها الأزمة وتحويلها إلى عمل فني قادر على محاكاة هول الأزمة أو تجاوزها، من منطلق مقولة الواقع أقسى من أن نستطيع “تخيّله”؟
يقول: «المحاكاة هي أروع تقنيات الكتابة المسرحية، وهي أرقاها وأقواها. الشخصيات المسرحية يجب أن تحاكي بعضها بدلا من الحكم على بعضها البعض، وإن لم تجد الشخصية من تحاكي فلتحاكِ عندها نفسها وهذه الكتابة التي أحبها. المحاكاة تقودنا إلى طرح قصص إنسانية، شخصية وبسيطة. إن المسرح الكلاسيكي ينجو ويستمرّ بفضل المحاكاة الشخصية: هاملت، أنتيغون، ميديا، مكبث، وما هذه إلاّ أمثلة».
هناك أصوات هامشية خرجت من قلب الحصار وخصوصا في المخيمات مثل “مخيم اليرموك” و”مخيم الزعتري”، تمثل ظواهر فنية بعيدة عن سلطة الرقابة، ببساطة وعفوية يرى نجيب أن نجاة هذه الأصوات من نجاة الربيع العربي.