الفنان التشكيلي الفلسطيني "محمد محارب محمد الحاج" من مواليد ليبيا عام 1982، وهو لاجئ من سكان مخيم النصيرات بقطاع غزة، بلدته الأصلية كوكبا التي غادروها ذويه بفعل الغزوة الصهيونية ونكبة فلسطين الكبرى عام 1948، مواهبه الفنية كانت في سن مبكرة، دفعته للالتحاق بدراسة الفنون بجامعة الأقصى بمدينة غزة والتخرج منها بشهادة بكالوريوس تربية فنية عام 2004، خضع لمجموعة من الدورات الفنية التخصصية في ميادين النحت الجداري وعلوم التربية والاستخدام الوظيفي لخامات البيئة في مواضيع الفنون والرسم والتصوير الزيتي وسواه. ويعمل حالياً في مجال تدريس التربية الفنية في المدارس الحكومية بقطاع غزة، شارك في العديد من المعارض الفنية الجماعية، وله معرضان فرديان، وحائز على مجموعة من الجوائز المادية والتقديرية، عن مجموعة أعماله لاسيما جدارياته التي ازدانت فيها واجهات جامعة الأقصى بغزة.
أعماله الفنية التشكيلية، هي خلاصة لتجاربه وخبراته الذاتية والمكتسبة والمدربة أكاديمياً ومهنياً وثقافة بصرية شخصية معرفية وأدائية، يجول في متن مُبتكراته في عوالم الذات الفردية المُندمجة مع الذات الفلسطينية الجمعية، والمآخية لذاكرة المكان الفلسطيني في جغرافيته السياسية ومكوناته الطبيعية، ومعالمه التاريخية الحضارية لاسيما مدينة القدس الحاضرة أبدا وبقوة في أعماله، وتتكئ أعماله على خارطة فلسطين كدلالة جوهرية على عروبتها ومكانتها في ضمير الفنان من جهة، وضمير أمته العربية والإسلامية في نهاية المطاف.
مؤكداً في جميع تجاربه الفنية انحيازه التام لقضيته الوطنية فلسطين، المتسعة لجميع أبنائها بمختلف أطيافهم الاجتماعية وميولهم السياسية ومعتقداتهم، مجتمعة على وحدة الوطن الفلسطيني والمواطن، وترنو من تلمس محددات الوطن الفلسطيني المحكوم برغبة شعبه في التحرير والعودة، والتغني بمقولات التراث الشعبي الفلسطيني، وتعبيراته الفنية الطافحة بالانتماء، وتجود في هذا المعطى الرمزي والوصفي في أكثر من لوحة تصويرية ومنحوتة جدارية، تدخل في واحة الصراع وديمومة المقاومة من أجل البقاء، وتبوح بمعاني ومضامين إنسانية ونضالية متعددة الأشكال.
لوحاته التصويرية أقرب في تقنياتها وصياغتها الفنية إلى عوالم الملصق السياسي المعتمدة على تفريغ الانفعالات الشخصية الكامنة والظاهرة في ذات الفنان، رموزاً وأشكالاً تعبيرية موحية في متن اللوحات، فيها شيء من المباشرة الوصفية، في محددات عناصر التكوين وتوزيعه على سطوح الخامات، بدءا من الكوفية والعلم الفلسطيني مروراً بالعبارات الخطية المكتوبة، وصولاً إلى تمايز الشخوص الرئيسة لمحورية الفدائي والمنتفض الفلسطيني، والخلفيات اللونية المتممة في واحة اللوحات. جميعها مربوطة بخيط تعبيري رمزي، بكل ما فيه من معاني ودلالات حسيّة متواترة داخل بنيانها، وتُشير إلى حماسة الفنان وصدق تعبيراته الوصفية، وانحيازه لخيار الوطن والمقاومة.
أما منحوتاته ثلاثية الأبعاد أو ثنائية، والمشغولة على الدوام في سياق "رويلفات" محمولة على جدار، فهي عنوان صريح لتميزه في هذا الميدان التقني، وإشارة لا يشوبها أي لبس لمقدرة الفنان على تطويع طاقة الخامة لمصلحة خياراته الفنية التشكيلية، ودلالة أيضاً على موهبة أصيلة ومدربة عرفت طريقها في رسم معالم وظيفتها الإنسانية في حمل رسالة المقاومة على جبهة الثقافة، والتي لا تقل مكانة وجودة عن حملة البنادق في مواقع القتال الفلسطينية المتعددة، وتقود أعماله النحتية في مجمل تداعياته الفكرية والوصفية والجمالية إلى فلسطين التاريخ والحاضر والمستقبل الخالي من الدنس الصهيوني.
منحوتات تحمل لحمة بنائية تركيبية مدروسة ومتوازنة في حسبة نسبها القياسية، تلوذ الاتجاهات التعبيرية الرمزية المحمولة ببعض تواشيح شكلية تجريدية، تقربنا خطوة في بعضها من فنون الميدالية، أو التعبيرات النصبية الرمزية المليئة بمكونات التراث الشعبي الفلسطيني المتواترة مع متغيرات العصور وتعاقب الأجيال، ونجد لمفهوم النسوة عموماُ ورمزية المرأة الفلسطينية التي تحمل في صورتها الشكلية رمزية الأرض، المتشكلة في شكلية الجغرافية السياسية لخارطة فلسطين، كعلامة فارقة ومميزة في عموم أعماله وتعبيراته النحتية.
فلسطين هي الجوهر، والفلسطيني هو الموئل المرتجى والذي يقع على كاهله أن يكون راس الحربة في خوض معارك الصراع العربي الصهيوني، مسلح بإيمانه وإرادته الحرة وصبره على المحن والشدائد، والتمسك بالأرض والتراث والإنسان، التي نجدها مؤشرات رمزية متواضعة في عموم منحوتاته، محكومة بالعلاقات الهندسية المسطحة حيناً، والمفاهيم الرمزية لاستعارة تشخيصية متناسلة من حياة المخيم والريف الفلسطيني حيناً، وبعجينة تقنية متماسكة يعرف الفنان آلية ‘إدراجها كموضوعات شكلية في متن لوحاته في أكثر الأحيان.
القدس لها مكانة مميزة في أعماله، يجود فيها بما هي عليه من إحالات رمزية، ومكانة روحية ودينية في قلوب العرب والفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، من كونها مسرى النبي محمد صلوات الله عليه، والعاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية الديمقراطية وشعبها الفلسطيني، والخالية من الصهاينة بطبيعة الحال. يصوغها الفنان رهافة حس ومصداقية مشاعر وانفعالات، وتغدو بين يديه الماهرتين أشبه بقطعة موسيقية عذبة التقاسم الشكلية، فلسطينية الملامح والوجوه والسطوح والأماكن، تعزف نشيد الحقول والخيرات، وتستحضر أوابد التاريخ بأجمل حلة وليونة وصف، تغدو وكأنها قصة روائية تُمسرح القضية الفلسطيني منذ بدء التكوين وحتى يوميات الأمل المتبقي والمسكون في القلوب الفلسطينية والعقول، مسطحات متفاوتة الطبقات، فلسطين الخريطة الجغرافية في المقدمة كراوي وشاهد على الأحداث الفلسطينية، ودلاله على أصالة الأرض الخيرة بثرواتها الطبيعية وسكانها، وإطلالة المفتاح الفلسطيني بمقدمة وسط اللوحة، مفتاح العودة في رمزيته وأهمية بالذاكرة الفلسطينية الحافظة، والمتجاورة عبارة "سنعود" هي رسوخ في الحلم والأمل بالعودة إلى فلسطين، جميعها عناصر ومفردات شكلية متناسقة، ومقترنات دالة على صلابة الفلسطيني وإرادته في استعادة وتحرير دياره فلسطين التاريخية غير المنقوصة، وفيها ما فيها من أبعاد الرؤى البصرية، وأشبه بملحمة روائية من سرد بصري لافت، وتقنية ذات النسيج الشكلي متداخل الأبعاد المنظورة والأشكال المحاولة للتخلص من الرتابة وصمت الخامة المستعملة.