ولد الفنان نصر عبد العزيز في بلدة زكريا ـ الخليل عام 1941 ، وبعد احتلال بلدته من قبل الصهاينة عام 1948 ، لجأت عائلته إلى مخيم عين السلطان في أريحا على أمل العودة ، وفي بداية الخمسينيات انخرط في الحياة الاجتماعية والثقافية.. وبدأ يستمع من خلال الرواة وشاعر الربابة في الأفراح والمناسبات لسيرة عنترة وبني هلال وسيف بن ذي يزن ورأس الغول والأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس وقصص ألف ليلة وليلة..
لم يكن الفن عند نصر هواية عارضة ، وإنما كان جوهر حياته ، لذلك جاهد في أن يشق طريقه حتى أتيح له المشاركة في معرض للأطفال بالقدس. في هذا المعرض اكتشف كيف يلوّن بالألوان الزيتية التي كان يتعامل معها مباشرة من الأنبوب ، كما تعرّف على زيت بذرة الكتان ، ومن يومها والألوان الزيتية هي وسيلته الأولى في التصوير.
في بداية الستينات قرر صقل موهبته بالدراسة فسافر إلى بغداد لدراسة الفنون ، لكنه اكتشف بأنه لا يوجد كلية للفنون ، فعاد إلى عمان ، وفي العام 1961 حصل على منحة لدراسة الفيزياء الكيميائية في موسكو. وبعد نهاية دراسة اللغة ، رفض طلبه فقرر الالتحاق بكلية العمارة ، التي تعلم فيها معنى الرشاقة في الفن ومعنى التوازن بين الشكل والمضمون ، وأثناء دراسته شاهد ولأول مرة في حياته اللوحات الأصلية لكبار الفنانين بعد أن كان يتعايش مع صورها الفوتوغرافية.
بداية الرحلة
كان نصر عبد العزيز يراوده حلم الذهاب إلى مصر قبل موسكو ، وأخيرا حقق نصر ما كان يحلم به ، فالتحق بكلية الفنون الجميلة ومنها بدأت رحلته الحقيقية بالتعرف إلى الفن الفرعوني والفن الإسلامي. أثناء دراسته في السنة الأولى شارك فناننا بلوحتين في صالون القاهرة السنوي ، وحصلت لوحته الموسومة بـ(موت قطة صغيرة) على جائزة اقتناء من الدولة ، وفي السنة التالية شارك في بينالي دول البحر الأبيض المتوسط بالإسكندرية ، وحصل على جائزة اقتناء من محافظة الإسكندرية ، وفي العام 1968 حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة القاهرة.
بعد تخرجه عمل كمصمم ديكور في التلفزيون الأردني ، وفي العام 1970 رشحه التلفزيون لدراسة التصميم في لندن ، وفيها قضى ستة أشهر ، تعرّف خلالها على مقتنيات المتحف الوطني البريطاني ومتحف تيت غاليري ، ودرس فن الصور المتحركة ، والذي لم يمارسه عملياً من يومها إلى الآن. وبعد عودته أقام معرضاً مشتركاً مع الخزاف محمود طه والمصور ياسر الدويك ، كما أقام معرضه الأول في العام 1969 م.
في بداية السبعينات كلف بالتدريس في المعهد الأردني للفنون ، وكان من نتيجة التدريس أن كلف من قبل وزارة التربية والتعليم الأردنية بالتدريس الصيفي في معهد عجلون للمدرسات ، ثم كلف بكتابة المادة المقررة في مادة الفنون. في تلك الفترة كتب بعض الحلقات الدرامية عن الفن والفنانين للتلفزيون الأردني ، كما كان يجري المقابلات مع الفنانين ، وانتهى الأمر بأن كلّفوه بإخراج ما كتبه ، ثم أرسل من قبل التلفزيون الأردني مرة أخرى إلى لندن للإطلاع على أساليب العمل التلفزيوني.
في العام 1974 حصل على وظيفة مصمم ديكور في تلفزيون الإمارات العربية المتحدة في دبي ، سرعان ما تحوّل هذا المسمى الوظيفي إلى مراقب إنتاج ، وعاش في دبي حوالي أربع وعشرين سنة ، وجد فيها الوقت الكافي لمواصلة دراسة السينما ـ 1977 ـ 1980 ـ في أكاديمية الفنون بالقاهرة حتى دبلوم الدراسات العليا ، وهو لم يمارس الإخراج السينمائي لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. لذلك لم يجد أمامه غير التلفزيون.
رؤية الفنان وموضوعاته
تثير أعمال نصر عبد العزيز اهتماماً خاصاً لدى من يتصدى لدراسة حركة التصوير الأردني المعاصر ، فقد كان واحداً ممن عرضت أعمالهم في صالون القاهرة العام 1965 ، وهو تاريخ مبكر نسبياً في تاريخ المشاركات الفردية التشكيلية الأردنية على صعيد الخارج وقد سبقه في هذا المضمار رائد التشكيل الأردني الفنان محمد بشناق الذي أقام أول معرض شخصي له في نادي الخليج العربي بالكويت العام 1956 وتلاه معرض آخر في العام 1958 ومعرض ثالث في أمانة عمان العام 1963 ، ولا أعرف لماذا يتم إغفال وطمس تجربة هذا الفنان الرائد من قبل النقاد والفنانين الذين كتبوا حول الفن وعايشوا المراحل الأولى للفن التشكيلي الأردني.
وبالعودة لتجربة نصر عبد العزيز يلاحظ المتأمل لما أنجزه الفنان في مشواره الطويل أن مفردات أعماله مستوحاة من واقعه المعاش ومن بيئته الشعبية التي تشبعت بها روحه عبر عشرات السنين ، فسجّل ذكرياته عن الوطن من خلال مخزونه البصري وجسّدها بأسلوب تعبيري رمزي من خلال اللون والخط ، حيث نجح في تنفيذهما على المسطح الأبيض برقة وعذوبة.
تميز نصر عبد العزيز بأسلوبه المنسجم وذلك من خلال ما طرح في أعماله من مضامين ملتزمة بقضية الإنسان المتطلع إلى الحياة ، وهنا وظّف الفنان بعض العناصر وركّز بشكل خاص على عنصر الحصان وذلك لتفعيل الحدث وليكون شاهداً على انكساراتنا وانتصاراتنا وأفراحنا. وتغير دور وفعل وموقع الحصان ومعناه من لوحة إلى أخرى. ولم يكتف نصر عبد العزيز بعرض هذا الرمز بل أضاف إليه رمزا آخر وهو الطفل ، الذي يرمز للأمل والاستمرارية من أجل غد أجمل وأفضل للأجيال القادمة.
لم يتوقف نصر عند تلك العناصر بل حفلت لوحاته بالكثير من العناصر والمفردات كالطيور والخيول والذئاب والجنادب والصبار والقمر والبوم وعناصر معمارية كالأبواب والنوافذ والستائر والمرآة والمناضد والأرائك والنحاسيات وأدوات التجميل وغيرها من العناصر التي يستوجب وجودها ضمن السياق التصويري المطروح. وهو هنا يقدم فلسفة تتغير فيها حياة الأشياء بتغير علاقاتها مع الفضاء المحيط بها.
كما اهتم الفنان بالمرأة وكفاحها ، لذلك نراها في أعماله تتكرر بشكل لافت ، وهي وحيدة غالباً إلا في بعض اللوحات التي لها فيها دور وفعل (مع أطفالها أو الحصان أو أشيائها الخاصة). وقد وصل في اللوحات التي تناول فيها المرأة على مسطحات لوحاته ، إلى تعبيرية خاصة ومتميزة ، حيث ربط وبشكل مقنع ومحْكم بين المرأة وجماليات الفولكلور الشعبي من أزياء وزخارف وأدوات مستخدمة في الحياة اليومية. ولعل قراءة تحليلية لهذه اللوحات نجد أنها عكست حالة إنسانية عبر أكثر من وسيلة ، فحركة النسوة وتعبيرات وجوهها وما تعكسه من حزن وترقب يساعد في الكشف عن المحتوى ، ومن يراقب أعمال نصر يكتشف أن حضور المرأة الطاغي بوحدتها وانتظارها ، وعالمها المشحون يقابله حضور خجول للرجل.
وفي الأعمال التي تناول على مسطحاتها البورتريه استطاع الفنان أن يكثف التعبير فيها ويغوص في الواقع اليومي المعاش بحثا عن معنى ، ويجد هذا المعنى (الأمل) في وجوه النساء الشعبيات اللواتي حدد هويتهن عبر زيهن المطرز بلون الأرض والدم ، وما يلبسن من حلي. وأكد الفنان في هذه الأعمال على القيمة الإنسانية للموضوع ، وأفصح عن تعاطفه مع قضايا المرأة المختلفة التي قدمت في صياغة فنية تشكيلية اتسمت بجمالية أصيلة ، سواء من حيث التكوين العام للوحة ، أو طريقة المعالجة ، أو نوعية الألوان المستخدمة.
مميزات فنه
ـ دأب الفنان على استلهام عناصر موضوعاته من التراث مع الاستفادة من الزخارف الشعبية ، حيث يظهر مدى عشقه لذلك التراث الحضاري ويبدو هذا جلياً ومحققاً في رسم مشخصاته التي يزاوج بينها وبين الزخارف وبين الحصان الذي غدا فيها قيمة رمزية لم يفقد دلالته التعبيرية.
ـ يميل الفنان إلى تكثيف عناصره على سطح اللوحة ويتخلص من ازدحام السطح بالعناصر ويميل إلى الزهد في استخدام المشخصات مما يخلع على المشهد نوعاً من السكون والصوفية.
ـ توزيع الظلال والأضواء على مسطحات لوحاته ، جاء في انسجام وتناغم موسيقي حيث تتميز تجربة الفنان بالتركيز على استعمال الأرضيات ذات الألوان الترابية (اللون البني والبني الداكن) مع توشيحات بالأصفر والأبيض ، كما استخدم في خلفيات لوحاته المساحات الزرقاء والزرقاء الداكنة.
ـ اللون عنده حالة توهج يقابلها سكون مع تجاور الحار والبارد ، الفاتح والداكن ، كل تلك التقابلات جمعها نصر بمهارة عالية عبر توليفة ذكية ، حيث جعل المساحات اللونية تتناغم مع العناصر على سطح اللوحة وتتزاوج في رؤية موحدة تظهر براعة في استعمال اللون وتوظيفه.
ـ الضوء في مختلف اللوحات ، هو متنفس اللوحة ونبضها ، وهو الحرية القادمة والغد الآتي.
ـ يرسم ويعالج مواضيع لها علاقة بالإنسان من وجه وجسد وعلاقات إنسانية.
المصدر :
https://bit.ly/2Ih0GkF