هذه المقالة ليست عن عائلة عادية في فلسطين، بل هي عائلة فلسطينية مقدسية أزهرية تولى أفرادها الإفتاء الشافعي في القدس وتوارثوه منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، كما توارثوا الشعر وأتقنوه، رغم أن تراثهم ضاع في أيام الحروب وسنين الجدب في المنطقة. لكننا اخترنا من هذه العائلة شاعرنا محمد أسعد الإمام (1226ـ 1308 / 1811ـ 1890).
إذا بحثت في الغوغل ستجد الكثيرين من هذه العائلة يتشابهون بالشعر والإفتاء والنشاط الاجتماعي والسياسي، بل ستجد بنفس الاسم شخصية أخرى، هو حفيده محمد أسعد الإمام الحسيني (1913ـ 1998) الذي كان أمين سر ومدير مكتب جماعة الإخوان المسلمين في القدس (مقر رئيسي)، والذي احتفظ بأوراق جده ومراسلاته، وفيها بعض الشعر. أما كثير الشعر فضاع في النكبات.
أما جده فهو الشاعر الشيخ محمد أسعد أفندي بن محمد صالح أفندي بن عبد الغني أفندي بن محمد صالح الإمام الحسيني، فقد ولد في رمضان 1226هـ/1811م وأرسله والده بعد دراسته الأولى في القدس إلى الأزهر، فأمضى فيه نحو عشرة أعوام عاد بعدها إلى القدس سنة 1834م. باشر التدريس في الزاوية الأمينية، مقرّ العائلة، كما عُين إماماً في المسجد الأقصى وناظراً على أوقاف العائلة.
وقد عيّن عند عودته سنة 1834م، مفتياً للشافعية في الوظيفة التي شغلها آباؤه وأجداده من قبله. وبقي في مناصبه (الإمامة والنظارة والإفتاء) أكثر من أربعين عاماً، حتى تقدّم في السن وضعف نظره، فنقلها إلى ابنه يوسف أفندي. واستمر في تدريس الحديث وتفسيره، بالإضافة إلى علوم الأصول والبيان. ودرس عليه في الحرم الكثيرون من علماء القدس وأعيانها في أواخر العهد العثماني.
كان رجال الحكم والسياسة يقدرون الشيخ ويحترمونه، وقد قلّده قنصل روسيا وسام شرف. وكان شاعراً ضاع معظم شعره، وحُفظ قليله، ومنه قصيدة كتبها في رثاء محمد علي أفندي الخالدي، قاضي القدس، أوكل ابنه يوسف (الذي ورثه في الإفتاء والشعر) سنة 1864م، وهو ابن 15 سنة، ومطلعها:
اللهُ باقٍ والأَنَامُ تَزُولُ وَقَضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ مَقْبولُ
وقد كان للقصيدة وطريقة إلقائها وقع قوي في نفوس الحاضرين من العلماء والأعيان في الأقصى، فـكما ذكرت المصادر "تهاطلت من الأعين العبرات وتزايدت من الأعيان التلهفات والحسرات، وتصاعدت من أكباد السادة الحاضرين الزفرات". واستمر هذا الفتى (يوسف أفندي) على طريق والده في نظم الشعر، ولكن كما يقول ياغي في كتابه "حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى النكبة" ضاع معظمه كغيره من الكتب ومعظم تراث ذلك العهد.
أمضى محمد أسعد الإمام أعوامه الأخيرة معتكفاً معظم وقته في الزاوية الأمينية، مدرّساً في المسجد الأقصى يساعده ابنه يوسف في القيام بوظائف إمامة وإفتاء الشافعية. وكان الشيخ خليل التميمي، مفتي الخليل، من أصدقائه الحميمين، وقد حُفظ بعض مراسلاتهما، ومعظمها شعر، في أوراق العائلة.
توفي الشيخ محمد أسعد الإمام في كانون الأول (ديسمبر) 1890م، ودُفن في مدافن أجداده في المدرسة الأمينية في القدس.
المصدر: عربي 21