بدأت المذيعة سوسن تفاحة عملها بالتلفزيون الأردني منذ نهاية عام 1979، بعد حوالي اثني عشر عامًا على افتتاح التلفزيون، واستمرَّت بالعمل حتى عام 2010، أي ما يزيد عن ثلاثين عامًا من العطاء المتواصل عملت خلالها مذيعة للنشرات الرَّئيسة ومحرِّرة للأخبار ومقدِّمة للبرامج الإخباريّة. وتؤمن سوسن تفاحة أنَّ الإعلام رسالة وليس مهنة فقط، وحامل الرِّسالة لا يتقاعد، بل يبقى مشعلًا ينير درب الآخرين، وكلّما تقدَّم به العمر ازداد خبرة ومعرفة في مجاله.
تُعتبرُ المذيعة سوسن تفاحة واحدةً من الوجوه التي شكَّلت حالة خاصة من التواصل اليومي للمواطن الأردني مع شاشته الوطنيّة، حيث كان الأردنيون يترقّبون نشرة أخبار الثامنة يوميًّا كموعد مقدّس يلتفّ فيه أفراد العائلة حول الشاشة، وترتفع أصوات الكبار طالبين من الصغار السّكون التام وعدم النطق بحرف خشية أن يفوتهم كلمة ممّا سيقوله أو تقوله مذيعة النَّشرة، بل إنهم كانوا يضبطون ساعاتهم على تكّات ساعة الأخبار التي تسبق إشارة بداية النشرة، وعندما كانت عقارب الثواني تتجاوز الثامنة بقليل يبدؤون بالنَّظر إلى وجوه بعضهم بعضًا متسائلين عن سبب التأخير، ربّما هناك خبر جلل وربّما هناك خطاب ملكي أو أنَّ هناك مانعًا قويًّا أدّى إلى تأخير هذه الثواني التي تسير ثقيلة، وما إن تظهر إشارة الأخبار حتى تنفرج أساريرهم، لكنَّ الصمت يبقى مخيّمًا على الجميع بانتظار ظهور سوسن تفاحة أو أيّ من المذيعين ليعلن بدء نشرة أخبار الثامنة.
هكذا كانت حال مشاهدي الزَّمن الجميل بانتظار نجوم تلك المرحلة، ولكُم أن تتخيّلوا مقدار الشعبيّة التي كان أولئك النجوم يحظون بها، والتقدير الاجتماعي الذي يحصلون عليه؛ فهم نجوم كل الدّعوات والمناسبات وفرسان اللقاءات، يتسابق إليهم الكبار قبل الصغار والمسؤولون قبل المواطنين العاديين. ولعلَّ نجمتنا في هذا المقال السيدة سوسن تفاحة هي من أبرز هؤلاء النجوم الذين ظهروا على شاشة التلفزيون الأردني.
على الرّغم من أنَّ تفاحة ليست من مؤسِّسي التلفزيون الأوائل، إلا أنَّها استطاعت أن تحجز لنفسها موقعًا متقدّمًا بينهم، فقد بدأت عملها بالتلفزيون الأردني من نهاية عام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين، أي بعد ما يقرب من اثني عشر عامًا على افتتاح التلفزيون، واستمرَّت بالعمل حتى عام ألفين وعشرة، أي ما يزيد عن ثلاثين عامًا من العطاء المتواصل عملت خلالها مذيعة للنشرات الرَّئيسة ومحرِّرة للأخبار ومقدِّمة للبرامج الإخباريّة.
تقول سوسن تفاحة عن بداية عملها بالتلفزيون إنَّها جاءت بالوقت الصَّعب؛ فقد كان التلفزيون قد قطع شوطًا من البثّ واستقرَّت أموره وبدأ الناس يعتادون على مُشاهدته، بل وأصبح معظم الناس يمتلكون أجهزة التلفزيون، واكتملت كوادر العمل التلفزيوني، فكان تعيين أيّ شخص جديد يحتاج جهدًا كبيرًا ومهارات عالية جدًا كي يُقبل، كما إنَّ التلفزيون كان قد دخل مرحلة البثّ الملوَّن، وبالتالي زادت صعوبة العمل ومتطلّباته ممّا يفسِّر تشدُّد إدارة التلفزيون بتعيين أيّ شخص جديد، حتى إنَّ الأمر استغرق أكثر من أربعة أشهر للموافقة لها على العمل بالأخبار، على الرّغم من أنَّها حاصلة على الليسانس بالأدب العربي من جامعة بيروت العربية عام 1979، على عكس هذه الأيام إذْ يظهر كثير من المذيعين والمذيعات على الشاشات دون تدريب أو خبرة سابقة أو حتى لغة سليمة، وهذا أمر لم يكُن من الممكن التَّساهل معه في الزَّمن الماضي.
وتروي تفاحة كيف أنَّ المذيع كان إذا أخطأ باللغة أو بلفظ اسم شخص أو مكان، يجد بعد لحظات مدير التلفزيون أمامه بالاستوديو، أو على الهاتف إذا كان خارج التلفزيون، لافتًا إلى الخطأ ومصحِّحًا له ومنبِّهًا إلى عدم تكراره، بل كان هناك حساب على ذلك لا تساهُل به، فكان المذيعون والمذيعات دائمي المطالعة والتطوير للغتهم وثقافتهم حرصًا منهم على عدم الخطأ.
وحول أوَّل ظهور لها على الشاشة تقول إنه كان أمرًا مرعبًا شكَّل لها خوفًا كبيرًا لأنَّ الطلّة الأولى للمذيع، أو ما يسمّى "الانطباع الأوّلي"، سيؤثِّر عليه مدى الحياة، وبالتالي كان الاهتمام بالظُّهور لأوّل مرّة كبيرًا جدًا، حتى إنَّ الزملاء في الإذاعة كان إذا عُيِّن أحدهم مذيعًا يبقى لمدة عام كامل مرافقًا لمذيع قديم بالاستوديو دون أن يُسمح له بنطق حرف على الهواء، وبعد عام يبدأ بتقديم جُمَل قليلة مثل (هنا عمّان إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية) فقط، ثم يتدرَّج بذلك إلى أن يُسمح له بقراءة نشرات الأخبار أو تقديم البرامج وغيرها. أمّا في التلفزيون ولأنَّ المتدرِّب لا يستطيع دخول الاستوديو مع مذيع آخر، فقد كان يتدرَّب كثيرًا على استخدام الاستوديو والتعامل مع الكاميرات قبل أن يُسمح له بقراءة بضعة أخبار في البداية مع مذيع آخر، وبعد مدّة يُسمح له بقراءة موجز للأخبار لوحده، ثم نشرة قصيرة، وصولًا للمشاركة بنشرة الثامنة وهي النشرة الرئيسة والأهمّ.
ولأنَّ الأخبار تكون عادة على الهواء مباشرة ولا تُسجَّل، كان يجب على المذيع أو المذيعة أن يكون متمكّنًا من لغته بشكل كبير كي يستطيع التحكُّم بالنشرة التي بين يديه، فقد يضطر في بعض الأحيان إلى إعادة صياغة الخبر كي يتناسب وطريقته بالقراءة أو استبدال كلمات مكان أخرى أو الابتعاد عن بعض الأحرف مع الحفاظ على المعنى نفسه وهكذا، أمّا اليوم فبمجرَّد أن يتحدَّث الشخص اللغة العربيّة يعتقدون أنه يتقنها وهذا ليس صحيحًا، فهناك مستويات لإتقان اللغة العربية يجب على المذيع أن يكون في أعلاها.
خلال حياتها العمليّة حصلت سوسن تفاحة على بعض الدورات التدريبية في الإدارة العليا والكمبيوتر ودورات في استراتيجيات الإعلام، وقامت بتدريب عدد من المذيعين والمذيعات الجُدد على استخدام العربية في المجالات الإعلامية، وكانت مسؤولة عن مراجعة الأداء اللغوي والمهني لمذيعي الأخبار والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، كما عُيِّنت مستشارة ورئيسة للمذيعين في دائرة الأخبار في التلفزيون الأردني، وكانت بين عامي 2005 و2007 عضوًا في لجنة انتقاء المذيعين الجُدُد، وفي الوقت نفسه كانت عضوًا في المجلس الأعلى للإعلام. وتمَّ اختيارها عام 2011 عضوًا في مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
خلال عملها التلفزيوني قدَّمت سوسن تفاحة "رسالة الأردن الإخباريّة" لمدة اثني عشر عامًا، وهي عبارة عن برنامج إخباري أسبوعي يتم فيه تسجيل أبرز الأحداث التي جرت في الأردن، ويتم بثُّه إلى اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية ليُبَثّ على شاشات كل تلك الدول أو بعضها بحسب ما تحتويه الرسالة من أخبار، لكنَّ هذه الرسالة توقفت بعد انتشار الفضائيّات التي أصبح بثّها يصل إلى كل الناس في كل مكان.
شاركت سوسن تفاحة، وما زالت، في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والمؤتمرات الدولية في المجالات الإعلامية والسياسية. وهي أمينة سر نادي "الحديقة والمنزل" منذ عام 2002 وحتى الآن، وكانت رئيسة الاتحاد النسائي الأردني العام لمحافظة العاصمة لدورتين متتاليتين من عام 2002 إلى 2008، وهي عضو هيئة إدارية ومستشارة لمركز الإعلاميّات العربيّات وجمعيّة الألفيّة الثالثة وملتقى صاحبات الأعمال والمهن، وعضو هيئة إدارية بجمعيّة تنمية المرأة الريفيّة وجمعيّة مكافحة المخدرات وجمعيّة تدريب المرأة الأردنيّة، وعضو هيئة إدارية بجمعيّة المذيعين الأردنيين، وغيرها الكثير من الأنشطة التي يطول الحديث عنها.
في عام 2001 بدأت تفاحة العمل مع إذاعة القوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي كمذيعة ومقدمة برامج، وما زالت حتى اليوم تقوم بعملها على أكمل وجه، فهي تؤمن أنَّ الإعلامي لا يتقاعد مثل العاملين في بقية المهن، بل يبقى قادرًا على العطاء مهما تقدَّم به العمر، إضافة إلى أنها تؤمن أنَّ الإعلام رسالة وليس فقط مهنة، وحامل الرسالة لا يتقاعد، بل يبقى مشعلًا ينير درب الآخرين، وكلما تقدَّم به العمر ازداد خبرة ومعرفة في مجاله.
وحول كيفيّة تعاملها مع الشُّهرة تقول: "إنَّ مَن يعتقد أنه أصبح مشهورًا وتصرَّف على هذا الأساس فقد أصبح مغرورًا لأنَّ الإنسان يبقى دائمًا يتعلّم، فالكون لا يتوقف عن تقديم الجديد لنا، ونحن بحاجة لمواكبة مستجدّات الحياة"، وتقول إنَّها عندما تدخل الاستوديو لقراءة نشرة أخبار فإنَّها تتعامل معها وكأنَّها أوَّل نشرة لها، فتعطيها كل الاهتمام والعناية والحذر من الوقوع في الأخطاء لأنَّ للإعلامي مسيرةً مهنيّةً يجب أن يحافظ عليها وأن لا يسمح لصورته أن تهتزّ بأيّ خطأ.
ما زالت سوسن ناصر تفاحة تنبض بالعطاء متنقلة بين شوارع جبل اللويبدة حيث نشأت وترعرعت، تنثر خبرتها وعبق معرفتها على عائلتها وزوجها وكل مَن يريد الاستزادة من العلم والمعرفة أو يحنّ إلى زمن الكبار من الإعلاميين، وبين أنشطتها الاجتماعية المتعددة التي تساهم من خلالها بخدمة المجتمع، ونقل خبراتها الإعلامية لمن يرغب من الجيل الجديد خاصة العاملين في إذاعة القوات المسلحة من الشباب والشابات الجُدد مع عدد من زملائها الإعلاميين القدامى مثل غالب الحديدي وسلامة محاسنة وعدنان الزعبي وفخري العكور وغيرهم.
تتابع تفاحة وسائل الإعلام المحليّة باستمرار، وهي تبدي أسفها على ما تشاهده وتسمعه من ثقافة ضحلة وعدم اهتمام باللغة العربية وانتشار ظاهرة التَّفاهة بالطَّرح، والميوعة بالحديث لدى بعض الإعلاميّات والإعلاميين، وإضاعة وقت البثّ الثمين بما لا فائدة منه، وانتشار الأخطاء المهنيّة بشكل لافت عند بعضهم دون مساءلة أو اهتمام من إدارات الإعلام لأنَّ كثيرًا من مديري وسائل الإعلام ليسوا إعلاميين، وإنَّما تجّار يهمّهم الربح المادي على حساب ما يقدِّمون للجمهور.
المصدر: أفكار