الدكتور جمال بدوان: وُلدتُ في الأردن عام 1958 م وَ إلتحقت بالمدرسة الإبتدائية بمسقط رأسي وَ ثمّ واصلت في بيروت (لبنان) وَ منه غادرت إلى بلغاريا، حيث تحصلت هناك على شهادة البكالوريوس. وَ ثمّ واصلت الدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية لأتحصل على شهادة الماجستير في العلوم الإقتصادية، حيث دافعت على أطروحة مهمة مُرتبطة بتسيير الأعمال وَ الإدارة العامة – وَ شاءت الأقدار أن أنتقل إلى موسكو وَ منه إلى لينينغراد لأواصل تعليمي العالي وَ انهي الحلقة الثالثة ضمن إختصاص إقتصاد الشغل وَ تزامنت هذه الفترة بالتحولات السوقية المهمة التي شهدتها المنظومة السوفياتية السابقة وَ دافعت على أطروحة الدكتوراه في مجال التسويق المعروف باللغة الأجنبية بـ:"الماركيتينغ" في 1996 م، وَ كذلك سُجلّت بالجامعة الدولية المسيحية بالعاصمة كييف وَ أعمل هناك مُعيداً في مجال إختصاصي.
حول أوكرانيا: وَ ما شأن أوكرانيا في جولتكم الأكاديمية التي تطرقتم لها وَ نحن نعرف بأنكم درستم في روسيا الإتحادية؟
الدكتور جمال بدوان: حينها كانت روسيا وَ أوكرانيا تحت سقف واحد، ما كان يُدعى بالإتحاد السوفياتي، وَ مشواري التعليمي كان مكوكياً، حيث قدمت إلى روسيا الفدرالية السوفياتية في الثمانينات، وَ بعدها غادرت إلى أمريكا وَ ثم عُدتُ إلى روسيا وَ هكذا وَ دواليك لأنّني كنت أيضاً أمارس الأعمال الفنية بشكل حرفي غير أنني لم أدرس في مدرسة الفنون الجميلة أو بأية مؤسسة أخرى، فمارست الفن بالتعايش وَ الإحتكاك المُباشر مع الفنانين في مُختلف أنحاد العالم وَ هي حقاً مدرسة مهمة تُعوضك المسار التقليدي الذي يُعرف بمقاعد الدراسة – وَ لذلك كنتُ أتابع دراستي وَ أعمالي الفنية بشكل متوازي. فإذا نزلتُ ببلد أجنبي فأول خطوة أقوم بها كان البحث عن مكان تجمع الرسامين وَ الفنانين، حيث قمت بتطعيم هوايتي بذلك إلى أن أصبحتُ محترفاً عن فطرة وَ هي رسالة مهمة أنتفع بها وَ أخدم الإنسانية بريشتي التي تُعبر عن ما يجري في أعماقي.
حول أوكرانيا: نعرف بأنّ كل رسام يُحاول أن ينتمي إلى مدرسة معينة: الفن التشكيلي، التوجه الإنطباعي وَ غيرها من التوجهات المعروفة، يا ترى ما هو خياركم في هذا الفن؟
الدكتور جمال بدوان: أنا دوماً أحاول أن أمارس كل هذه التوجهات وَ الحمد لله وُفقت في ذلك وَ أعمالي تُعبر بنفسها عن مدى تألقي في كل مجال بدون تقييد، وَ لكن أنا أبتعد عن الرسم الحديث السريع غير المفهوم، أنا أحب رسم لوحة مُعبرة وَ كل شخص، بغض النظر عن مستوى ثقافته، يستطيع فهمها وَ الوصول إلى ما أقصده.
حول أوكرانيا: لكل فنان وَ لكل مطرب وَ لكل عالم وَ حتى لكل شخص منا يوجد عمل أو منتوج فني أو علمي وَ حتى أدبي يعتز به، فما هي اللوحة التي تُعتزون وَ تفتخرون بها؟
الدكتور جمال بدوان: قبل كل شيء أريد أن أنبه القارئ العزيز بأنني لا أركز على بيع اللوحات، فلوحاتي الفنية كلها مُعبرة وَ هدافة وَ أنا دوماً أهديها إلى مؤسسات مُختلفة حسب الظروف المتاحة عبر المعارض، وَ هو الأمر الذي أفتخر به بأنه بداية من 1982 م إلى حد الآن فإحدى لوحاتي مُعلقة بإحدى أكبر الجامعات ببلغاريا المختصة في العلوم الإقتصادية، توجد لي لوحة بجامعة ساوث إسترن بالولايات المتحدة الأمريكية معلقة إلى حد الساعة وَ هذا فخر وَ إعتراف في آن واحد – كما توجد لوحاتي بنوادي عربية مُختلفة بعدة أقطار عربية بما فيها الأردن مسقط رأسي.
حول أوكرانيا: نرجع إلى لوحتكم الفنية المعلقة بالجامعة في بلغاريا، فما هو الإسم الذي أهديتموه لهذا المولود؟
الدكتور جمال بدوان: طبعاً لكل لوحة أرسمها أعطيها تسمية خاصة وَ هي مثل المولود الجديد، حيث تخرج من بين يدي وَ تبدأ مشوارها بشكل ذاتي حاملة على صدرها كل آمالي وَ أحزاني إن شئتهم، وَ لذلك أطلقت على تلك اللوحة إسم:"معاناة شعب" – وَ المقصود طبعاً هو معاناة الشعب الفلسطيني، وَ أذكر بأن كل ألواحي زيتية وَ هي الطريقة المفضلة وَ المحببة لدى أغلبية الناس.
حول أوكرانيا: نعرف بأنكم تمارسون الرسم الكاريكاتوي؟
الدكتور جمال بدوان: أنا كنت سابقاً أنزل ببعض الجرائد العربية رسمات كاريكاتورية للكسب المادي عندما كنت طالباً، حيث كنت أرسم بجريدة الرأي وَ الدستور الأردنية وَ أيضاً بفلسطين الثورة وَ بعض الجرائد البلغارية وَ الأمريكية، بشرط أنني أتبنى الفكرة وَ أقوم بتجسيدها عبر الرسم، وَ أحياناً يُعارضونني وَ لا يقبلوا بتنزيلها بالجرائد لسبب أو آخر.
حول أوكرانيا: هل قمتم بتنظيم معارض للوحاتكم الفنية؟
الدكتور جمال بدوان: فعلا لقد قمت بتنظيم معارض في كل المحطات التي نزلت بها ضيفاً للدراسة بداية من الأردن، لبنان، بلغاريا، الولايات المتحدة وَ روسيا وَ أوكرانيا طبعاً، كما انه أنتُخبت بعض لوحاتي الفنية للمعرض المتنقل دون أن أكون حاضراً فيه وَ هو معرض يجول العالم بلوحاتي وَ هذا فخر لي، فعلى سبيل المثال شاركت لوحاتي بمعرض في طهران دون أن أحضر الفعالية. وَ نفس الشيء حصل بفرنسا وَ في كثير من الدول الأخرى من العالم. وَ في أوكرانيا على سبيل المثال شاركت بعدة لوحاتي في معرض قامت بتنظيمه سفارة فلسطين بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وَ كان لها أثراً كبيراً لدى الزائرين.
حول أوكرانيا: نعرف بأنكم تحملون الجنسية الأوكرانية وَ مُتزوجين من إمرأة أوكرانية وَ لكم إبنا معها، وَ نريد أن نعرف منكم كإنسان له تجربة عميقة في حياة المهجر، ما هي يا ترى الطريقة المُثلى لجعل العنصر العربي يندمج بشكل صحيح في المجتمع الأوكراني؟
الدكتور جمال بدوان: أنا أعتبر أنّ الشعب الأوكراني جد قريب منا من ناحية العادات وَ التقاليد، فهو شعب كريم وَ يستقبل الغريب، وَ لكن أحياناً تصرفات بعض الشباب العرب غير مقصودة تؤدي إلى تشويه سُمعتنا، على سبيل المثال كل واحد منا يطلق على نفسه لقب دكتور بغض النظر هل حقاً يحمل شهادة الدكتواه أو أنه لا يحمل هذه الشهادة، وَ حسب معلوماتي يوجد في أوكرانيا فقط أربعة أو خمسة شباب مُحترمين تمكنوا من إثبات كفائتهم العلمية يحلمون شهادة الدكتوراه المعروفة بـ "بي إيتش دي"، لا أكثر. حيث نجد عموماً طالباً في مقاعد الدراسة سنة أولى أو ثانية بجامعة الطب أو حتى أنه أنهى تعليمه وَ تخرج طبيبا فيطلق على نفسه لقب دكتور. وَ احياناً يُتابع إلى السنة الثانية وَ يُغادر للعمل بسوق البالي وَ يحمل معه لقب الدكتور وَ يبقى دكتوراً عتالا بأحد هذه الأسواق – هذا أمر غير صحيح وَ يلزم تغيير الصورة وَ عدم الضرب على الأوتار الحساسة. فعندما تأتي إلى مجلس ما فيه عربي وَ تتعرّف عليهم فالكل يدعي بأنه دكتور وَ لكن في حقيقة الأمر كلهم يُمارسون مهنة لا توافق هذه التسمية في أسواق الخضر وَ البالي وَ موظفين بسطاء بشركات محلية. فشهادة الدكتوراه أمر صعب المنال بهذه السرعة: يجب إغلاق ثلاث حلقات من التعليم العالي: الحلقة الأولى الحصول على شهادة الدراسات العليا الماجستير بعد الحصول على شهادة البكالوريوس، وَ ثمّ الإنتقال إلى مرحلة الدراسات المُعقمة وَ البحث في أطروحة للحصول على شهادة "الماستر أوف ساينس" وَ هي شهادة المُرشح للقب الأكاديمي العلمي وَ أحياناً يُطلق عليها شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة أو الثانية حسب الإختصاص وَ الجامعة وَ هو إعتراف من النخبة العلمية ضمن اللجنة الحكومية المكلفة بتقييم المهارات وَ الكفاءات. وَ بعدها يأتي دور البحث في أطروحة رسالة الدكتوراه وَ هي أعلى درجة أكاديمية علمية وَ يُمكن أن يَُضحى الشخص للحصول عليها بسنوات من شبابه ليقارب سن الأربعين، وَ تارة ما يطرح الطالب الشاب مسألة علمية مهمة وَ ثورية فيرى المجلس العلمي الأعلى بأنه يحق له أن يقفز مباشرة للحصول على شهادة الدكتوراه دون الحصول على شهادة المُرشح للعلوم وَ هو أمر جد نادر. وَ الفارق الزمني بين كل حلقة علمية من التعليم العالي يتراوح من ثلاث إلى عشرة سنوات حسب مواهب الشخص وَ إمكانيات المؤسسة التعليمية وَ خاصة إذا كان الموضوع في حاجة إلى تجهيزات مخبرية وَ هلما جراً – إذن على الأقل يجب إستغراق ما لا يقل عن عشرة سنوات بعد الحصول على شهادة الدراسات العليا من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه – وَ شبابنا يحصل على هذه اللقب مباشرة بعد أن يُسجل نفسه بكلية من كليات الطب وَ حتى في السنة التحضيرية عندما "ينوي" على الحصول بعد دهر على شهادة "طبيب نساء او أسنان.." – ما اكثر الألقاب وَ ما أقل الكفاءات. عموماً العرب لا يُميزن بين كلمة طبيب وَ درجة دكتور – وَ لكن عندنا بالشام خلافاً عنكم بالمغرب العربي، شهادة الدكتور تُستعمل للمفخرة وَ البروظة بين أهل الحارة وَ لكن لا أحد فكر في إمكانيات هذا "العالم" – وَ لا يدري الأهل بأنه لا يعمل بجامعة أو أكاديمية أو لا يمارس إختصاصة بالمخابر مثل باقي الزملاء الأوكران، بل يبيع الفواكه وَ الخضر وَ حتى البالي في الأسواق بالجملة وَ المفرق وَ لا يزال يطلق على نفسه لقب دكتور في المجالس المُحترمة وَ حتى أنني أحياناً أخجل أن أجد نفسي رساما بسيطاً في مجلس أكاديمي يشمل دكاترة من جميع الإختصاصات في مقهى عربي على طاولة النرد وَ الورق وَ الأرجيلة.
حول أوكرانيا: نشكر الدكتور جمال بدوان على هذا التوضيح وَ ننتقل بسؤالنا إلى الحياة الإجتماعية: لماذا نجد المؤسسات الجالياتية العربية المسجلة لدى السلطة الأوكرانية فاشلة في تحقيق وَ تجسيد البرامج التي أعلنت عنها؟
الدكتور جمال بدوان: لأنّ أغلبية المؤسسات الجاليتية العربية لم تُنتخب في المهجر من طرف أبناء الجالية بشكل نزيه، بل تم تعيينها من البلد الذي تنتمي إليه بطريقة غير ديمقراطية وَ بطريقة مُوجهة وَ لذلك فهي تولد ميتة لأنّ هذه القيادات لا تعرف هموم وَ مشاكل أبناء الجالية التي ينتسبون إليها إسمياً على الورق وَ لا يوجد أي تواصل ميداني بأي شكل من الأشكال. أنا أعرف بأن الجالية هو تجمع لأبناء قطرعربي واحد بإهداف إجتماعية وَ ثقافية وَ ممكن إقتصادية، وَ لكن إذا كانت هذه التجمعات تابعة لأحزب سياسية معينة أو لرؤساء وَ حكومات في بلد المنشأ فهي لن تنجح لأن البداية خاطئة وَ أنصحهم حتى بعدم الإستمرار. تصوّر مثلا أن الجالية اليونانية في أوكرانيا تعمل بنجاح علما بأنه لا تربطها أية علاقة بالسفارة اليونيانية إطلاقاً، فهي تضم كل شخص له علاقة باليونان بغض النظر عن توجهاته السياسية، الحزبية و الدينية وَ غيرها من الأمور. فهذه المؤسسة (الجالية اليونانية) تعمل بشكل ذاتي وَ لها برنامجها الخاص وَ القيادة تُنتخب خلال مؤتمراتهم وَ غير موجهة من الخارج.
حول أوكرانيا: في رأيكم هل يُمكن تأسيس جالية عربية تمتثل للتشريع المحلي وَ توافق الشروط التي ذكرتموها بخصوص الجالية اليونانية؟
الدكتور جمال بدوان: للأسف الشديد هذا أمر شبه مُستحيل لأن كل شخص ضمن أبناء الجالية العربية يُفكر دوماً كيف يرجع إلى بلده وَ يخاف دوماً على نفسه وَ لا يُمكن أن يُجند نفسه لخدمة الجالية دون أن يكون مبرمجاً من الخارج. وَ حتى إن وُجد الوجه القانوني لهذه الجالية فإنّ أعضاءها سيبقون رهينة القوى المحركة في بلدانهم وَ ستنقسم هذه المؤسسة في وقت سريع إلى فئات صغيرة مطابقة للأصل لدويلات العالم العربي. وَ إذا تريد أن تعرف ما يحدث في العالم العربي، فانظر إلى حال الجاليات العربية هنا بأوكرانيا؟
حول أوكرانيا: وَ ما هو الحل؟
الدكتور جمال بدوان: يُمكن تشكيل قوام للجالية العربية من أفراد مواطنين أوكرن وَ مقطوعي الأوصال بوطن المنشأ مثل الفلسطينيون وَ العراقيون، حيث يُجندون كل طاقاتهم لخدمة المصالح الأوكرانية وطنهم الثاني دون أن يلتفتوا بما تمطر به في بلادهم الأخرى، وَ في هذه الحالة يُمكن أن نخرج بنتيجة إيجابية تخدم هذه الرسالة النبيلة.
حول أوكرانيا: تريدون القول بأنه يُمكن إيجاد مجموعة من المواطنين الأوكران من أصول عربية يحملون لمهارات وَ كفاءات مهنية وَ علمية عالية المُستوى وَ تمكنوا من فرض نفسهم على الواقع المحلي من خلال ممارستهم التطبيقية، فحينها سيكون للجالية العربية وزن إجتماعي وَ إقتصادي وَ ممكن سياسي؟
الدكتور جمال بدوان: توجد مواهب عربية في أوكرانيا بدون شك، وَ لكن من الصعب أن يجد الشخص المُنحدر من أصول عربية مكانه في المؤسسات الأوكرانية، فعلى سبيل المثال أنا كرسام ماهر لا أستطيع أن أفرض نفسي بين مئات الألاف من الرسامين الأوكران هذا واقع، وَ كذلك أنا لا عب شطرنج مُحترف وَ كنت الأول في الأردن وَ حتى انني تبوأت المرتبة الـ 59 في كل العالم وَ رغم كل ذلك فمن الصعب أن تحتل رتبة مرموقة في مجتمع مثقف وَ بمواهب كبيرة مثل الأوكران – يجب التعامل بحقيقة الأشياء وَ ليس بالنزعة وَ الأحلام.
حول أوكرانيا: كيف تنظرون إلى التحولات الديمقراطية التي تعرفها أوكرانيا؟
الدكتور جمال بدوان: الحقيقة تقال، أصبحت مواطنا أوكرانياً وَ للمرة الأولى في حياتي اقدم لأدلي برأيي السياسي أمام صندوق الأقتراع هنا في أوكرانيا وَ أصبحت محسوب الإسم وَ لي صوت حر إدليه لمن أريد وَ أشكر أوكرانيا على هذه الهدية. وَ لذلك أقول دوما بأن عقلي أوكراني وَ قلبي فلسطيني.